الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ قَبْضِهِ لِمَا اشْتَرَى وَقَالَ: لاَ أَدْفَعُ الثَّمَنَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ أَقْبِضَ مَا اشْتَرَيْتُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَاعَ حَتَّى يَنْتَصِفَ وَيُنْصِفَ مَعًا، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ؛ لأََنَّهُ احْتَبَسَ بِحَقٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَنْ قَالَ حِينَ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ: لاَ خِلاَبَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلاَثَ لَيَالٍ بِمَا فِي خِلاَلِهِنَّ مِنْ الأَيَّامِ، إنْ شَاءَ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، أَوْ بِخَدِيعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ خَدِيعَةٍ، وَبِغَبْنٍ أَوْ بِغَيْرِ غَبْنٍ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ: فَإِذَا انْقَضَتْ اللَّيَالِي الثَّلاَثُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَلاَ رَدَّ لَهُ، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ إنْ وُجِدَ وَاللَّيَالِي الثَّلاَثُ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَإِنْ بَايَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَلَوْ مِنْ حِينِ طُلُوعِهَا: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الثَّلاَثَ مُبْتَدِئَةً وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ بَايَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَهُ الْخِيَارُ مِنْ حِينَئِذٍ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ: حدثنا حمام، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ إذَا بَايَعَ خُدِعَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَايِعْ وَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ.، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِعْ، وَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا مِنْ بَيْعِكَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْته يَقُولُ إذَا بَايَعَ: لاَ خِلاَبَةَ لاَ خِلاَبَةَ.
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَقُولَ " لاَ خِلاَبَةَ " قَالَهَا كَمَا يَقْدِرُ لأَفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لِعُجْمَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ جُمْلَةً قَالَ بِلُغَتِهِ مَا يُوَافِقُ مَعْنَى " لاَ خِلاَبَةَ " وَلَهُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ، أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ. برهان ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُنْقِذًا أَنْ يَقُولَهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَقُولُ إِلاَّ: لاَ خِذَابَةَ وَقَالَ تَعَالَى:
فَإِنْ رَضِيَ فِي الثَّلاَثِ وَأَسْقَطَ خِيَارَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ ثَلاَثًا، فَلَوْ كَانَ لاَ يَلْزَمُهُ الرِّضَا إنْ رَضِيَ فِي الثَّلاَثِ لَكَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ عليه السلام الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ فَقَطْ لاَ فِي الرِّضَا وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَكَانَ عُمُومًا لِكُلِّ مَا يَخْتَارُ مِنْ رِضًا أَوْ رَدٍّ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لاَ يَنْقَطِعُ بِإِسْقَاطِهِ إيَّاهُ وَإِقْرَارِهِ بِالرِّضَا لَوَجَبَ أَيْضًا ضَرُورَةَ أَنْ لاَ يَنْقَطِعَ خِيَارُهُ وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الثَّلاَثُ وَهَذَا مُحَالٌ: فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةَ الثَّلاَثِ إنْ شَاءَ رَدَّ فَيَبْطُلَ الْبَيْعُ، وَلاَ رِضَا لَهُ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ فَيَصِحَّ الْبَيْعُ، وَلاَ رَدَّ لَهُ بَعْدَ الرِّضَا: لاَ يَحْتَمِلُ أَمْرُهُ عليه السلام غَيْرَ هَذَا أَصْلاً فَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالرِّضَا، وَلاَ بِالرَّدِّ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى انْقِضَاءِ الثَّلاَثِ إنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنْ انْقَضَتْ الثَّلاَثُ وَلَمْ يَرُدَّ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ؛ لأََنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّهِ ثَلاَثًا، لاَ أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ فَلاَ إبْطَالَ لَهُ بَعْدَ الثَّلاَثِ، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَبَقِيَ الْبَيْعُ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالَ لَفْظًا غَيْرَ " لاَ خِلاَبَةَ " لَكِنْ أَنْ يَقُولَ: لاَ خَدِيعَةَ، أَوْ لاَ غِشَّ، أَوْ لاَ كَيْدَ، أَوْ لاَ غَبْنَ، أَوْ لاَ مَكْرَ، أَوْ لاَ عَيْبَ، أَوْ لاَ ضَرَرَ، أَوْ عَلَى السَّلاَمَةِ، أَوْ لاَ دَاءَ، وَلاَ غَائِلَةَ، أَوْ لاَ خُبْثَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ الْمَجْعُولُ لِمَنْ قَالَ: لاَ خِلاَبَةَ، لَكِنْ إنْ وَجَدَ شَيْئًا مِمَّا بَايَعَ عَلَى أَنْ لاَ يَعْقِدَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ: بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. برهان ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَرَ فِي الدِّيَانَةِ بِأَمْرٍ، وَنَصَّ فِيهِ بِلَفْظٍ مَا: لَمْ يَجُزْ تَعَدِّي ذَلِكَ اللَّفْظِ إلَى غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ، إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لأََنَّهُ عليه السلام قَدْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قال أبو محمد: مَنْ أَذَّنَ هَكَذَا فَحَقُّهُ أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لأََنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ بِآيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ عليه السلام فِي أَلْفَاظِ الصَّلاَةِ، وَالأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَالتَّلْبِيَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَسَائِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى الْمُفَرِّقِ الدَّلِيلُ وَإِلَّا فَهُوَ مُبْطِلٌ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ مُخَالَفَةَ الأَلْفَاظِ الْمَحْدُودَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَجَازَ تَنْكِيسَهَا، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ بِالأَعْجَمِيَّةِ وَهُوَ فَصِيحٌ بِالْقُرْآنِ: فَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِتَنْكِيسِ الصَّلاَةِ فَيَبْدَؤُهَا بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ بِالْقُعُودِ، وَالتَّشَهُّدِ، ثُمَّ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ بِالرُّكُوعِ، ثُمَّ بِالْقِيَامِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ وَيَقْرَأُ فِي الْجُلُوسِ، وَيَتَشَهَّدُ فِي الْقِيَامِ، وَأَنْ يَصُومَ اللَّيْلَ فِي رَمَضَانَ، وَيُفْطِرَ النَّهَارَ، وَيُحِيلَ الْحَجَّ، وَيُبَدِّلَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَيُقَدِّمَ أَلْفَاظَهُ وَيُؤَخِّرَهَا مَا لَمْ يَفْسُدْ الْمَعْنَى، وَيَكْتُبَ الْمُصْحَفَ كَذَلِكَ، وَيَقْرَأَ فِي الصَّلاَةِ كَذَلِكَ، وَيُقْرِئَ النَّاسَ كَذَلِكَ، وَيُبَدِّلَ الشَّرَائِعَ وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَنْ نَتَعَدَّى شَيْئًا مِمَّا حَدَّهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْنَا، لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمَنَا وَنَحْمَدُ اللَّهَ كَثِيرًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ وَافَقَنَا كَثِيرٌ مِنْ مُخَالِفِينَا أَنَّ لَفْظَ " الْبَيْعِ " لاَ يَنُوبُ عَنْ لَفْظِ " السَّلَمِ " وَهَذَا " مُنْقِذٌ " الْمَأْمُورُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَرَ أَنْ يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ بَلْ قَالَهُ كَمَا أَمَرَ، وَكَمَا قَدَّرَ، وَكَمَا كُلِّفَ. وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفَ لَنَا فِي هَذَا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الأَلْفَاظِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الأَحْكَامِ وَبَيْنَ الأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الأَحْكَامِ، وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الأَحْكَامِ، وَبَيْنَ الأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الأَحْكَامِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى فَرْقٍ أَصْلاً، فَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْإِيجَابِ وُفِّقَ وَهُوَ قَوْلُنَا وَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي جَوَازِ التَّبْدِيلِ: كَفَرَ، بِلاَ خِلاَفٍ، وَبَدَّلَ الدِّينَ كُلَّهُ، وَخَرَجَ عَنْهُ. وَقَدْ عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ دُعَاءً يَقُولُهُ، وَفِيهِ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَذَهَبَ الْبَرَاءُ يَسْتَذْكِرُهُ فَقَالَ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَلَمْ يَدَعْهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَفْظَةً مَكَانَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَمَنْ أَعْجَبُ وَأَضَلُّ مِمَّنْ يُجِيزُ تَبْدِيلَ لَفْظٍ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَقُولُ: إنْ قَالَ الشَّاهِدُ: أُخْبِرُك أَوْ أُعْلِمُك بِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارًا: أَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَلاَ يَحْكُمُ بِهَا حَتَّى يَقُولَ: أَشْهَدُ، فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لِلْحَقَائِقِ. وَأَمَّا الأَلْفَاظُ الْأُخَرُ فَهِيَ أَلْفَاظٌ مَعْرُوفَةُ الْمَعَانِي بَايَعَ عَلَيْهَا فَلَهُ مَا بَايَعَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَهُ كَذَلِكَ؛ لأََنَّهُ مِمَّا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَكُلُّ شَرْطٍ وَقَعَ فِي بَيْعٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، بِرِضَا الآخَرِ فَإِنَّهُمَا إنْ عَقَدَاهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بِالتَّخْيِيرِ، أَوْ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ يَعْنِي قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فِي حِينِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ تَامٌّ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لاَ يَلْزَمُ. فَإِنْ ذَكَرَا ذَلِكَ الشَّرْطَ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ أَيَّ شَرْطٍ كَانَ لاَ تُحَاشِ شَيْئًا إِلاَّ سَبْعَةَ شُرُوطٍ فَقَطْ، فَإِنَّهَا لاَزِمَةٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، إنْ اُشْتُرِطَتْ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ: اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَجَلاً. وَاشْتِرَاطُ صِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي يَتَرَاضَيَانِهَا مَعًا وَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى أَنَّهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. وَاشْتِرَاطُ أَنْ لاَ خِلاَبَةَ. وَبَيْعُ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي مَالَهُمَا أَوْ بَعْضَهُ مُسَمًّى مُعَيَّنًا، أَوْ جُزْءًا مَنْسُوبًا مُشَاعًا فِي جَمِيعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُمَا مَجْهُولاً كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا بَعْضُهُ، مَجْهُولاً بَعْضُهُ. أَوْ بَيْعُ أُصُولِ نَخْلٍ فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ قَبْلَ الطِّيبِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْهَا أَوْ مُسَمًّى مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا. فَهَذِهِ، وَلاَ مَزِيدَ، وَسَائِرُهَا بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا: كَمَنْ بَاعَ مَمْلُوكًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ الْإِيلاَدِ، أَوْ دَابَّةً وَاشْتَرَطَ رُكُوبَهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ أَوْ إلَى مَكَان مُسَمًّى قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ. أَوْ دَارًا وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّهَا. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا قَالَتْ فِيهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ. فَهَذَا الأَثَرُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً وَبَيَانًا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ كُلَّهُ. فَلَمَّا كَانَتْ الشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ كُلُّ عَقْدٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: عُقِدَ عَلَى شَرْطٍ بَاطِلٍ بَاطِلاً، وَلاَ بُدَّ؛ لأََنَّهُ عُقِدَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لاَ صِحَّةَ لَهُ، فَلاَ صِحَّةَ لِمَا عُقِدَ بِأَنْ لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ. قال أبو محمد: وَأَمَّا تَصْحِيحُنَا الشُّرُوطَ السَّبْعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَكُلُّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى: فأما اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ " أَنْ لاَ خِلاَبَةَ " فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْمَكَانِ بِنَحْوِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ عَلَيْهَا مِنْ السَّلاَمَةِ، أَوْ مِنْ أَنْ لاَ خَدِيعَةَ، وَمِنْ صِنَاعَةِ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ، أَوْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَبِيعِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى يَهُودِيٍّ قَدِمَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ: ابْعَثْ إلَيَّ بِثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ وَاشْتِرَاطُهُ، وَاشْتِرَاطُ ثَمَرِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ: فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. قال أبو محمد: وَلَوْ وَجَدْنَا خَبَرًا يَصِحُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَاقِيًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نُخَالِفْهُ، وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ إذْ قَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ شَرْطٌ فَلَيْسَ بَيْعًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجَّ مُعَارِضٌ لَنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: قلنا: [ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ] أَمَّا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ: لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلاَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَنْ نَجْتَنِبَ نَوَاهِيَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَاصِيَهُ، فَمَنْ عَقَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا، فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْبَاطِلُ مُحَرَّمٌ، فَكُلُّ مُحَرَّمٍ فَلاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَكَذَلِكَ قوله تعالى: وَأَمَّا الأَثَرُ فِي ذَلِكَ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ أَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ. وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: الْمُسْلِمُ عِنْد شَرْطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " إنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ، عِنْدَ الشُّرُوطِ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". قال أبو محمد: كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ مَجْهُولٌ وَالآخَرُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ هَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَخَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَالآخَرُ فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَلاَ أَعْرِفُهُ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا وَغَيْرَ مُخَالِفٍ ` لِقَوْلِنَا، لأََنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَهُمْ، لاَ الَّتِي نَهَاهُمْ عَنْهَا، وَأَمَّا الَّتِي نُهُوا عَنْهَا فَلَيْسَتْ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ شَرْطٍ، أَوْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لِمَنْ اشْتَرَطَهُ: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَاطِلٌ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ. فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ. ثُمَّ إنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، أَشَدُّ النَّاسِ اضْطِرَابًا وَتَنَاقُضًا فِي ذَلِكَ؛ لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا بَاطِلٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا حَقٌّ؛ لأََنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ يَمْنَعُونَ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعِ مَالَ الْعَبْدِ، وَثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ، وَلاَ يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِالشِّرَاءِ عَلَى حُكْمِ الْبُيُوعِ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: لاَ يُجِيزُونَ الْبَيْعَ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلاَ شَرْطَ قَوْلِ: لاَ خِلاَبَةَ، عِنْدَ الْبَيْعِ، وَكِلاَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأََمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا، وَيَنْسَوْنَ هَهُنَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ جُمْلَةً، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. قال أبو محمد: وَلاَ يَخْلُو كُلُّ شَرْطٍ اُشْتُرِطَ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا: إمَّا إبَاحَةُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ فِي الْعَقْدِ، وَأَمَّا إيجَابُ عَمَلٍ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ عَمَلٍ، وَالْعَمَلُ يَكُونُ بِالْبَشَرَةِ، أَوْ بِالْمَالِ فَقَطْ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ مِنْ أَبِي ثَوْرٍ، لأََنَّ مَنَافِعَ مَا بَاعَ الْبَائِعُ مِنْ دَارٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هِيَ لَهُ مَا دَامَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ، مِنْ مَنَافِعِ مَا بَاعَ، فَإِذَا أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنْ حَدَثَتْ عِنْدَهُ فِي مِلْكِهِ فَبَطَلَ تَوْجِيهُ أَبِي ثَوْرٍ، وَكَذَلِكَ بَاقِي تَقْسِيمِهِ؛ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ برهان. وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ: فَخَطَأٌ أَيْضًا: لأََنَّ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ لَيْسَ مُبِيحًا لِشَرْطٍ وَاحِدٍ، وَلاَ مُحَرِّمًا لَهُ، لَكِنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِهِ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَبَطَلَ الشَّرْطُ الْوَاحِدُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْقَدْ إِلاَّ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ حَدِيثُ بَرِيرَةَ، وَجَابِرٍ فِي الْجَمَلِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إنَّنَا رُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلَّافُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَيَكُونَ لِي وَلاَؤُكِ فَعَلْتُ فَعَرَضَتْهَا عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلْتُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ ".وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لاَ تَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لاَ حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلاَءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. قال أبو محمد: فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَزَيُّدٍ، وَلاَ ظَنٍّ كَاذِبٍ، مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تَحْرِيفِ اللَّفْظِ، وَهُوَ إنْ اشْتَرَطَ الْوَلاَءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِلْعِتْقِ كَانَ لاَ يَضُرُّ الْبَيْعَ شَيْئًا، وَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ جَائِزًا حَسَنًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ الْوَلاَءُ مَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَانَ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ الْوَلاَءَ لِنَفْسِهِ مُبَاحًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، إذْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ حَرَّمَ أَنْ يُشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطُ أَوْ غَيْرُهُ جُمْلَةً، إِلاَّ شَرْطًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاه مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا زَكَرِيَّا سَمِعْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إلَى أَهْلِي فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إثْرِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَخُذَ جَمَلَك، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: بِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي إثْرِي، فَقَالَ: أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لأَخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْجَمَلُ بِعْنِيهِ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ هُوَ لَكَ قَالَ: لاَ، بَلْ بِعْنِيهِ قُلْتُ: لاَ، بَلْ هُوَ لَكَ قَالَ لاَ، بَلْ بِعْنِيهِ، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا بِهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لِبِلاَلٍ يَا بِلاَلُ زِنْ لَهُ أُوقِيَّةً وَزِدْهُ قِيرَاطًا. هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ جَابِرٍ. قال أبو محمد: رُوِيَ هَذَا أَنَّ رُكُوبَ جَابِرٍ الْجَمَلَ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ فَرُوِيَ عَنْهُمَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا مِنْ جَابِرٍ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَنَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا، ثم نقول لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ. وَصَحَّ عَنْهُ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لأَخُذَ جَمَلَكَ مَا كُنْتُ لأَخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمَا أَخْذَانِ: أَحَدُهُمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالآخَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ انْتَفَى عَنْهُ، وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ أَخْذًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلاَمِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، فَإِذْ لاَ بُدَّ مِنْ أَنَّهُمَا أَخْذَانِ؛ لأََنَّ الأَخْذَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عليه السلام عَنْ نَفْسِهِ هُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ الأَخْذِ الَّذِي انْتَفَى عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَلاَ سَبِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَهُوَ إنَّهُ عليه السلام أَخَذَهُ وَابْتَاعَهُ، ثُمَّ تَخَيَّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ تَرَكَ أَخْذِهِ. وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ عليه السلام؛ لأََنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُمَاكِسْهُ لِيَأْخُذَ جَمَلَهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَطُّ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جَابِرٌ رُكُوبَ جَمَلِ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الأَخْبَارِ، إذَا جُمِعَتْ أَلْفَاظُهَا. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلاً: أَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: حُجَّةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فأما الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَلاَ يَقُولُونَ بِجَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ أَصْلاً، فَإِنَّمَا الْكَلاَمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيِّينَ فِيهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْدِيدُ يَوْمٍ، وَلاَ مَسَافَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ تَحْدِيدُ مِقْدَارٍ دُونَ مِقْدَارٍ وَيَلْزَمُهُمْ إذْ لَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ الدَّابَّةِ عَلَى شَرْطِ رُكُوبِهَا شَهْرًا، وَلاَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ، وَأَجَازُوا بَيْعَهَا، وَاشْتِرَاطَ رُكُوبِهَا مَسَافَةً يَسِيرَةً: أَنْ يَحُدُّوا الْمِقْدَارَ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي حَلَّلُوهُ، هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَرَكُوا مَنْ اتَّبَعَهُمْ فِي سُخْنَةِ عَيْنِهِ، وَفِي مَا لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَأْتِي حَرَامًا أَوْ يَمْنَعُ حَلاَلاً، وَهَذَا ضَلاَلٌ مُبِينٌ، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ مِقْدَارًا مَا، سُئِلُوا عَنْ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلاَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مَا لاَ يُفَصِّلُهُ لَنَا مِنْ أَوَّلِهِ لأَخِرِهِ لِنَجْتَنِبَهُ وَنَأْتِيَ مَا سِوَاهُ، إذَا كَانَ تَعَالَى يُكَلِّفُنَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا، مِنْ أَنْ نَعْلَمَ الْغَيْبَ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْخَبَرِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ دَنَوَا مِنْ الْمَدِينَةِ. قلنا: الدُّنُوُّ يَخْتَلِفُ، وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْإِضَافَةِ، فَمَنْ أَتَى مِنْ تَبُوكَ فَكَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتِّ مَرَاحِلَ أَوْ خَمْسٍ فَقَدْ دَنَا مِنْهَا، وَيَكُونُ الدُّنُوُّ أَيْضًا عَلَى رُبْعِ مِيلٍ وَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَالسُّؤَالُ بَاقٍ عَلَيْكُمْ بِحَسَبِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَهُوَ إنَّمَا رَوَى: أَنَّ رُكُوبَ جَابِرٍ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْطًا. وَفِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَسِيرِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزَاةٍ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ إِلاَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ، فَإِذْ لَمْ يَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ فَلاَ تَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقِ سَائِرَ الطُّرُقِ، وَلاَ تَقِيسُوا عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي رُكُوبِ جَمَلٍ سَائِرَ الدَّوَابِّ، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ مُتَنَاقِضُونَ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ. وَإِذْ قِسْتُمْ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقِ سَائِرَ الطُّرُقِ، وَعَلَى الْجَمَلِ سَائِرَ الدَّوَابِّ فَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي صَلاَتِهِ عليه السلام رَاكِبًا مُتَوَجِّهًا إلَى خَيْبَرَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: فَقِسْتُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ: فَلاَحَ أَنَّهُمْ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، آثَارٌ فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ خَالَفُوهَا، فَمِنْ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ. قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَدِدْنَا لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، قَدْ تَبَايَعَا حَتَّى نَنْظُرَ أَيَّهُمَا أَعْظَمُ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ، فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عُثْمَانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوِهَا إنْ أَدْرَكَتْهَا الصَّفْقَةُ وَهِيَ سَالِمَةٌ، ثُمَّ أَجَازَ قَلِيلاً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَزِيدُك سِتَّةَ آلاَفٍ إنْ وَجَدَهَا رَسُولِي سَالِمَةً قَالَ نَعَمْ، فَوَجَدَهَا رَسُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ هَلَكَتْ، وَخَرَجَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ الآخَرِ. قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَالَ: فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ. فَهَذَا عَمَلُ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَعِلْمِهِمْ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ سَعِيدٌ، وَصَوَّبَهُ الزُّهْرِيُّ. فَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: كُلَّ هَذَا، وَقَالُوا: لَعَلَّ الرَّسُولَ يُخْطِئُ أَوْ يُبْطِئُ أَوْ يَعْرِضُهُ عَارِضٌ، فَلاَ يَدْرِي مَتَى يَصِلُ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ بَاعَ دَارِهِ وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا حَيَاتَهُ وَقَالَ: إنَّمَا مَثَلِي مَثَلُ أُمِّ مُوسَى رُدَّ عَلَيْهَا وَلَدُهَا، وَأُعْطِيَتْ أَجْرَ رَضَاعِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ قَالَ: بَاعَ صُهَيْبٌ دَاره مِنْ عُثْمَانَ وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو ثَوْرٍ، فَخَالَفُوهُ، وَلاَ مُخَالِفَ لِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يُجِيزُ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ ابْتِيَاعَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا بِمَكَّةَ لِلسِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ عَلَى إنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ تَامٌّ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ: فَخَالَفُوهُمْ كُلُّهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفُّوهُ إيَّاهَا بِالرَّبَذَةِ وَلَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ ذِكْرِ الْإِيفَاءِ: فَخَالَفُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: أَصَابَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مَغْنَمًا فَقَسَّمَ بَعْضَهُ وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ يُشَاوِرُهُ فَتَبَايَعَ النَّاسُ إلَى قُدُومِ الرَّاكِبِ وَهَذَا عَمَلُ عَمَّارٍ وَالنَّاسُ بِحَضْرَتِهِ: فَخَالَفُوهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَحَكَمَ عَلِيٌّ بِشَرْطِ الْخَلاَصِ، وَلِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ فِيمَا أَجَازُوهُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَمَا مَنَعُوا مِنْهُ فِيهَا، قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ وَنَذْكُرُ فِي مَكَان آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ؛ لأََنَّ الأَمْرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَكُلُّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ إنْ قَبَضَهُ: وَلاَ يُصَحِّحُهُ طُولُ الأَزْمَانِ، وَلاَ تَغَيُّرُ الأَسْوَاقِ، وَلاَ فَسَادُ السِّلْعَةِ، وَلاَ ذَهَابُهَا، وَلاَ مَوْتُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَصْلاً. وقال أبو حنيفة فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَمَا قلنا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا، وَأَجَازَ عِتْقَهُ فِيهِ. وقال مالك فِي بَعْضِ ذَلِكَ: كَمَا قلنا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: إنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بُيُوعًا تُفْسَخُ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ الأَمْرُ، أَوْ تَتَغَيَّرَ الأَسْوَاقُ: فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ. قال أبو محمد: وَهَذَانِ قَوْلاَنِ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِمَا عَلَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا فَكَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمَا عَلِمَ أَحَدٌ قَطُّ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِلْكًا فَاسِدًا، إنَّمَا هُوَ مِلْكٌ فَهُوَ صَحِيحٌ، أَوْ لاَ مِلْكٌ فَلَيْسَ صَحِيحًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَلاَ يُعْقَلُ. وَإِذْ أَقَرُّوا أَنَّ الْمِلْكَ فَاسِدٌ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: هَذَا احْتِجَاجُ فَاسِدِ الدِّينِ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَنْفَذَ الْبَاطِلَ، وَأَجَازَ الْفَاسِدَ وَاَللَّهِ مَا تَقِرُّ عَلَى هَذَا نَفْسُ مُسْلِمٍ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ. قال أبو محمد: لَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُسَلِّطَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، فَلْيُجِيزُوا عَلَى هَذَا أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى وَطْءِ أُمِّ وَلَدِهِ وَأَمَتِهِ، وَهَذِهِ مَلاَعِبُ وَضَلاَلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَأَوَّلُ مَا يُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَهُ: حُدُّوا لَنَا الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا مَضَتْ صَحَّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَكُمْ بِمُضِيِّهَا، وَإِلَّا فَقَدْ ضَلَلْتُمْ وَأَضْلَلْتُمْ. وَحُدُّوا لَنَا تَغَيُّرَ الأَسْوَاقِ الَّذِي أَبَحْتُمْ بِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ، وَنُقْصَانَ ذَلِكَ تَغَيُّرُ سُوقٍ بِلاَ شَكٍّ. فَإِنْ أَجَازُوا صِحَّةَ الْفَاسِدِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فَقَدْ صَحَّ كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ لأََنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَقَلُّبِ الْقِيَمِ بِمِثْلِ هَذَا أَوْ شَبَهِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ الدَّلِيلَ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَبْلَهُ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ هُوَ إبَاحَةُ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَانَ لِمَا سِوَاهُ أَتْرَكُ، وَاسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ لأََنَّكُمْ إنْ قُلْتُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا حَكَمْتُمْ بِهَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنْ تَحْلِيلِهِ قَالَ: إمَّا كَذَبْتُمْ، وَأَمَّا صَدَقْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ كَذَبْتُمْ: فَالْكَذِبُ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ وَجُرْحَةٌ، وَإِنْ كُنْتُمْ صَدَقْتُمْ فَمَا أَخَذْتُمْ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ: مِنْ اجْتِنَابِ الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ، بَلْ جَسَرْتُمْ أَشْنَعَ الْجَسْرِ، فَنَقَلْتُمْ الأَمْلاَكَ الْمُحَرَّمَةَ، وَأَبَحْتُمْ الأَمْوَالَ الْمَحْظُورَةَ فِيمَا أَقْرَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنْ تَحْلِيلِهِ، فَخَالَفْتُمْ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرَ جُمْلَةً. وَإِنْ قُلْتُمْ: حَكَمْنَا بِذَلِكَ حَيْثُ ظَنَنَّا أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ نَقْطَعْ بِذَلِكَ. قلنا: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ، قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَالْفَرْضُ عَلَى مَنْ ظَنَّ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَنْ يُمْسِكَ: فَلاَ يَحْكُمُ، وَلاَ يَتَسَرَّعُ فِيمَا لاَ يَقِينَ عِنْدَهُ فِيهِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ حَكَمَ حِينَئِذٍ. وَقَالَ أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لِقَاضٍ أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ كَمَا يَتَبَيَّنُ اللَّيْلُ مِنْ النَّهَارِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو مُوسَى. قَالَ عَلِيٌّ: الْمُفْتِي قَاضٍ؛ لأََنَّهُ قَدْ قَضَى بِوُجُوبِ مَا أَوْجَبَ، وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ، أَوْ إبَاحَةِ مَا أَبَاحَ، فَمَنْ أَيْقَنَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ بِنَصٍّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٍ فَلْيُحَرِّمْهُ وَلْيُبْطِلْهُ أَبَدًا. وَمَنْ أَيْقَنَ بِإِبَاحَتِهِ بِنَصٍّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيَبُحْهُ وَلْيَنْفُذْهُ أَبَدًا. وَمَنْ أَيْقَنَ بِوُجُوبِ شَيْءٍ بِنَصٍّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيُوجِبْهُ وَلْيُنْفِذْهُ أَبَدًا، وَلَيْسَ فِي الدِّينِ قِسْمٌ رَابِعٌ أَصْلاً، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ حُكْمُهُ مِنْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ فَلْيُمْسِكْ عَنْهُ وَلْيَقُلْ كَمَا قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ: لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا وَمَا عَدَا هَذَا فَضَلاَلُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى:
وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَهُمَا مَالٌ فَمَالُهُمَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونَ لَهُ، وَلاَ حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ، وَلاَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ أَصْلاً. فَإِنْ كَانَ فِي مَالِ الْعَبْدِ أَوْ الأَمَةِ: ذَهَبٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ، وَقَدْ ابْتَاعَ الأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ بِذَهَبٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الذَّهَبِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ: نَقْدًا أَوْ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ: جَازَ كُلُّ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ فِضَّةٌ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَبْدِ أَوْ الأَمَة: رَدَّهُ أَوْ رَدَّهَا وَالْمَالُ لَهُ لاَ يَرُدُّهُ مَعَهُ. فَإِنْ وَجَدَ بِالْمَالِ عَيْبًا: لاَ يَرُدُّ الْعَبْدَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلاَ الأَمَةَ. فَإِنْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ نِصْفَ أَمَتِهِ أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى مُشَاعًا فِيهِمَا مِنْهُمَا: جَازَ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْمَالِ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، وَلاَ فَرْقَ. فَلَوْ بَاعَ اثْنَانِ عَبْدًا بَيْنَهُمَا: جَازَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ الْمَالِ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الأَشْتِرَاطِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالأَشْتِرَاطُ غَيْرُ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مَعْلُومًا مِنْ مَجْهُولٍ، وَلاَ مِقْدَارًا مِنْ مِقْدَارٍ، وَلاَ مَالاً مِنْ مَالٍ: فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ مَلَكَ الْمَالَ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي صَفْقَةِ الرَّدِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْبٍ فِيهِ، وَلاَ بِعَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ. وَمَنْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشَاعٍ أَوْ نِصْفَ عَبْدِهِ فَلَمْ يَشْتَرِ الْمُشْتَرِي عَبْدًا وَإِنَّمَا جَعَلَ عليه السلام اشْتِرَاطَ الْمَالِ لِمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَلَهُ اشْتِرَاطُ الْمَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وقال مالك كَقَوْلِنَا فِي اشْتِرَاطِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَجْهُولِ، وَالْكَثِيرِ، وَالْقَلِيلِ. وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ وَهَذَا خِلاَفٌ لِلْحَدِيثِ مُجَرَّدٌ، فَرَدُّوا مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشُّرُوطِ، وَأَجَازُوا مَا أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ أَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ غُلاَمَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالَهُ، فَوُجِدَ لِلْغُلاَمِ مَالٌ فَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ لِلْبَائِعِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، وَمُغِيرَةُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَنْ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ: عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مُسَمًّى بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ أَوْ الأَمَةِ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَقَالاَ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ إِلاَّ الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعَ. قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ كُلَّهُ الْمُبْتَاعُ وَبَعْضُ الْمَالِ مَالٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَصِّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عليه السلام وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فإن قيل: إنَّمَا جَاءَ النَّصُّ فِي الْعَبْدِ فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الأَمَةِ. قلنا: لَفْظَةُ " الْعَبْدِ " تَقَعُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى جِنْسِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لأََنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَبْدٌ وَعِبْدَةٌ، وَ " الْعَبْدُ " اسْمُ جِنْسٍ كَمَا تَقُولُ: الْإِنْسَانُ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ يُعْكَسَ عَلَيْهِ هَذَا الأَعْتِرَاضُ، وَيُلْزَمَ هَذَا السُّؤَالَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبْدِ، وَالأَمَةِ فِي الْحُكْمِ فَرَأَى الزِّنَى فِي الأَمَةِ عَيْبًا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَمْ يَرَهُ فِي الْعَبْدِ الذَّكَرِ عَيْبًا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجْبِرَ أَمَتَهُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلاَ يُجْبِرُ الْعَبْدَ الذَّكَرَ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، فَإِنْ كَانَتْ الأَمَةُ فِي اسْتِثْنَاءِ مَالِهَا فِي الْبَيْعِ إنَّمَا وَجَبَ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ، فَلْيَقِيسُوهَا عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ فِي النِّكَاحِ، وَإِلَّا فَقَدْ تُحَكَّمُوا.
وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ، وَالتَّأْبِيرُ فِي النَّخْلِ: هُوَ أَنْ يُشَقَّقَ الطَّلْعُ، وَيُذَرَّ فِيهِ دَقِيقُ الْفُحَّالِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِبَارِ فَالطَّلْعُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلاَ يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إِلاَّ الأَشْتِرَاطُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلاَ حَتَّى يَصِيرَ زَهْوًا، فَإِذَا أَزْهَى جَازَ فِيهِ الأَشْتِرَاطُ مَعَ الْأُصُولِ، وَجَازَ فِيهَا الْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَ الْأُصُولِ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ فِي النَّخْلِ الْمَأْبُورِ وَحْدِهِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ، وَلَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ النَّخْلِ بِغَيْرِ إبَارٍ لَمْ يَحِلَّ اشْتِرَاطُهَا أَصْلاً؛ لأََنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا سَائِرُ الثِّمَارِ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ الْأُصُولَ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ أَوْ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، فَالثَّمَرَةُ ضَرُورَةً، وَلاَ بُدَّ لِلْبَائِعِ، لاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا إِلاَّ مَعَ الْأُصُولِ، وَلاَ دُونَهَا، وَلاَ اشْتِرَاطُهَا أَصْلاً. وَلاَ يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْأُصُولِ أَنْ يُلْزِمَ الْبَائِعَ قَلْعَ الثَّمَرَةِ أَصْلاً، إِلاَّ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، فَإِذَا بَدَا صَلاَحُهَا فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَخْذَ مَا يُمْكِنُ النَّفْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا مِنْ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُلْزِمُهُ أَخْذَ مَا لاَ يُمْكِنُ الأَنْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّخْلِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلأََنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إِلاَّ فِيهَا فَقَطْ، مَعَ وُجُودِ الْإِبَارِ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ وَالتَّعْلِيلُ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ دَلِيلٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إِلاَّ الأَشْتِرَاطُ فَقَطْ مَا لَمْ تُزْهِ، فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَتَحْمَرَّ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ أَصْلاً، وَأَبَاحَ عليه السلام اشْتِرَاطَهَا، فَيَجُوزُ مَا أَجَازَهُ عليه السلام وَيَحْرُمُ مَا نَهَى عَنْهُ: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَقَاسَ الشَّافِعِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: سَائِرَ الثِّمَارِ عَلَى النَّخْلِ، وَأَجَازُوا هُمْ، وَالْحَنَفِيُّونَ: بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَقَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ مَعَ الْأُصُولِ وَهَذَا خِلاَفُ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبَاحَةُ مَا حَرَّمَ، وَمَا عَجَزَ عليه السلام قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ إِلاَّ عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ مَعَ الْأُصُولِ، وَمَا قَالَهُ عليه السلام قَطُّ، فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّنْ مَنَعَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا جُمْلَةً لاَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلاَ بِغَيْرِهِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَشُعْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، كِلاَهُمَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِلَى التَّابِعِينَ، وَفِيمَنْ دُونَهُمْ. فَإِنْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ أَزْهَى إنْ كَانَ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ ظَهَرَ فِيهِ الطِّيبُ إنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ: لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ حَتَّى يَصِيرَ فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهُ فِيهَا فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ لَمْ يَزْهُ أَبَدًا، وَلاَ ظَهَرَ فِيهِ الطِّيبُ أَبَدًا: حَلَّ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لاَ قَبْلَهُ؛ لأََنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ خَرَجَ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازَ بَيْعِهِ إلَيْهَا. وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ وَتَمْيِيزٍ أَنَّ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَتَّى تُزْهِيَ، وَعَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا: إنَّمَا هُوَ بِلاَ شَكٍّ فِيمَا إنْ تُرِكَ أَزْهَى أَوْ ظَهَرَ صَلاَحُهُ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْإِزْهَاءِ أَبَدًا، وَلاَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ أَبَدًا، فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي نَهَى عليه السلام عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُزْهِيَ أَوْ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، فَإِذْ لَيْسَ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْ بَيْعِهِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْأُصُولِ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعَ بِقَلْعِ ثَمَرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ الأَنْتِفَاعُ بِهَا، فَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ عليه السلام: نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْبَائِعُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي كَوْنِ ثَمَرَتِهِ فِي أُصُولِهَا فَيَكُونُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَنْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا بَذْرٌ لَهُ وَنَوًى وَلَمْ يَبِعْ الْبَذْرَ، وَلاَ النَّوَى، فَلَيْسَ لِمُشْتَرِي الأَرْضِ أَخْذُهُ بِقَلْعِ ذَلِكَ إِلاَّ حَتَّى يَصِيرَ النَّبَاتُ فِي أَوَّلِ حُدُودِ الأَنْتِفَاعِ بِهِ فِي وَجْهٍ مَا، فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَغُلَّ أَرْضَ غَيْرِهِ، وَلاَ شَجَرَ غَيْرِهِ، بِمَتَاعِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الأَصْلِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الأَشْتِرَاطُ إنْ بِيعَتْ الْأُصُولُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَهَا أَمَّا الأَشْتِرَاطُ فَلِوُقُوعِ الصِّفَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ عليه السلام: قَدْ أُبِّرَتْ فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَهَا لأَِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهَا إذَا أَزْهَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ بَاعَ أُصُولَ نَخْلٍ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ جَمِيعَهُمَا إنْ شَاءَ أَوْ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ جُزْءًا كَذَلِكَ مُسَمًّى مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْهَا مُعَيَّنًا. فَإِنْ وَجَدَ بِالنَّخْلِ عَيْبًا رَدَّهَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ الثَّمَرَةِ؛ لأََنَّ بَعْضَ الثَّمَرَةِ ثَمَرَةٌ، وَقَوْلُهُ عليه السلام: وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مِنْهَا يُسَمَّى ثَمَرَةً لِلنَّخْلِ وَالأَشْتِرَاطُ غَيْرُ الْبَيْعِ، فَلاَ يَرُدُّ مَا اشْتَرَطَ مِنْ أَجْلِ رَدِّهِ لِمَا اشْتَرَى، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ. فَلَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ النَّخْلِ بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ، أَوْ ثَمَرَ أَشْجَارِ غَيْرِ النَّخْلِ، ثُمَّ وَجَدَ ظُهُورَ الطِّيبِ، أَوْ ثَمَرَ أَشْجَارِ غَيْرِ النَّخْلِ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُصُولِ عَيْبًا فَرَدَّهَا، أَوْ وَجَدَ بِالثَّمَرَةِ عَيْبًا فَرَدَّهَا. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مَعَ الْأُصُولِ صَفْقَةً وَاحِدَةً رَدَّ الْجَمِيعَ، وَلاَ بُدَّ، أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ، وَلاَ بُدَّ؛ لأََنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ. فَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرُدَّهَا إنْ رَدَّ الْأُصُولَ بِعَيْبٍ، وَلاَ يَرُدُّ الْأُصُولَ إِلاَّ إنْ رَدَّ الثَّمَرَةَ بِعَيْبٍ. فَلَوْ اشْتَرَى الْأُصُولَ مِنْ النَّخْلِ وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ أَوْ بَعْضَهَا فَوَجَدَ الْبَيْعَ فَاسِدًا فَوَجَبَ رَدُّهُ رَدَّ الثَّمَرَةَ، وَلاَ بُدَّ، وَضَمِنَهَا إنْ كَانَ أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَحْ الأَشْتِرَاطَ إِلاَّ لِلْمُبْتَاعِ، وَلاَ يَكُونُ مُبْتَاعًا إِلاَّ مَنْ قَدْ صَحَّ بَيْعُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتِرَاطَ الثَّمَرِ، فَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَطَهُ بِخِلاَفِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَعَدٍّ، قَالَ تَعَالَى:
وَمَنْ بَاعَ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَتَيْنِ وَفِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِرَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا أَصْلاً، وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا. وَمَنْ بَاعَ حِصَّةً لَهُ مُشَاعَةً فِي نَخْلٍ، فَإِنْ كَانَ يَقَعُ لَهُ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا لَوْ قُسِّمَتْ: ثَلاَثُ نَخَلاَتٍ فَصَاعِدًا، جَازَ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُ الثَّمَرَةِ، وَإِلَّا فَلاَ وَالثَّمَرَةُ فِي كُلِّ مَا قلنا لِلْبَائِعِ، وَلاَ بُدَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَلَمْ يَحْكُمْ عليه السلام بِذَلِكَ إِلاَّ فِي نَخْلٍ. وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " نَخْلٍ " ثَلاَثٌ فَصَاعِدًا؛ لأََنَّ لَفْظَ التَّثْنِيَةِ الْوَاقِعَ عَلَى اثْنَيْنِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَخَاطَبَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَّلُ لَفْظِ الْجَمْعِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الثَّلاَثِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: قلنا: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ: أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَقَدْ قَالَ الرَّاجِزُ: وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ. فإن قيل: الْجَمْعُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَالأَثْنَانِ جَمْعٌ. قلنا: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ لَجَازَ أَنْ نُخْبِرَ عَنْ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَيُقَالُ: زَيْدٌ قَامُوا، وَالرَّجُلُ قَتَلُوا؛ لأََنَّ الْوَاحِدَ أَيْضًا أَجْزَاءٌ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|